خطر الانتكاسة وأهمية الوعي الذاتي والتحصين الإيماني
مقدمة:
الانتكاس الروحي هو أحد أخطر التحديات
التي يواجهها المسلم في حياته. ما يزيد من خطورة هذا الانتكاس هو عدم انتباه صاحبه
لنفسه، إذ يعتقد دومًا أنه على خير وفي الطريق الصحيح. يعود هذا الشعور إلى عاملين
رئيسيين: التبرير المستمر للخطأ والتسويف الممل للتصحيح. هذه المقالة تسلط الضوء
على خطورة الانتكاس وطرق التحصين منه.
التبرير المستمر للخطأ:
التبرير هو وسيلة نفسية يستخدمها الإنسان
لتخفيف الشعور بالذنب وتبرير أفعاله الخاطئة. غالبًا ما يكون التبرير مرتبطًا
بالكبر، حيث يرفض الشخص الاعتراف بأخطائه أو تقبل النقد. يقول الله تعالى في كتابه
العزيز:
"بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ
بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ" (القيامة:
14-15).
إن التبرير المستمر يؤدي إلى تراكم الذنوب،
مما يسبب قسوة في القلب وفقدان القدرة على التمييز بين الحق والباطل.
التسويف الممل للتصحيح:
التسويف هو تأجيل العمل على تحسين الذات
والتوبة من الذنوب. يترافق التسويف عادة مع طول الأمل، حيث يظن الإنسان أن لديه
الكثير من الوقت للتوبة والإصلاح. لكن، الحقيقة هي أن كل لحظة إهمال تؤثر سلبًا
على القلب ومنظومة الصدق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"بَادِرُوا بالأعمال فتناً كقطع
الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه
بعرض من الدنيا" (رواه مسلم).
إن تأجيل التوبة والعمل الصالح يؤدي إلى
تدهور الحالة الروحية للشخص، وجعله عرضة أكثر للزيغ والانحراف.
أثر الإهمال على القلب:
كل لحظة إهمال لها أثر رجعي على القلب،
مما يزيد من صعوبة العودة إلى الطريق الصحيح. عندما يتلطخ هذا الإهمال بتضييع حقوق
الناس والظلم، يكون الأثر أكثر شدة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اتَّقُوا الظُّلمَ فإنَّ الظُّلمَ
ظلماتٌ يومَ القيامةِ" (رواه مسلم).
الظلم وتضييع حقوق الناس يؤديان إلى
تراكم الذنوب وزيادة قسوة القلب، مما يجعل العودة إلى الحق أصعب وأبعد.
الاستيقاظ من الانتكاسة:
عادةً لا يستيقظ المنتكس حتى يصطدم بسنن
الله تعالى وفواجع الدنيا المزلزلة، حينها يدرك كم كان مغيبًا عن الواقع. الله
تعالى يبتلي الإنسان ليفيق من غفلته ويعود إلى الطريق الصحيح. يقول الله تعالى:
المعركة مع الشيطان:
المعركة مع الشيطان خطيرة جدًا ومستمرة
دومًا. الشيطان يدرك ثغرات المسلم ويتسلل منها عند كل فرصة. قال الله تعالى في
كتابه الكريم:
"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ
السَّعِيرِ" (فاطر: 6).
أكثر ضحايا الشيطان هم الذين يعتقدون
أنهم يحسنون صنعًا بينما هم في غمرة انحرافهم.
السبيل لتحصين النفس من الانتكاسة:
تحصين النفس من الانتكاس يتطلب عدة أمور أساسية:
1. الصحبة الصالحة:
الصحبة الصالحة هي واحدة من أهم وسائل
التحصين ضد الانتكاس. الصحبة الصالحة تدعم وتساند في الطريق الصحيح، وتنصح بالخير
وتنهى عن الشر. فعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل
الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن
تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد
ريحا خبيثة ) رواه البخاري ومسلم..
2. التواصي بالنصيحة:
التواصي بالنصيحة في الله حق وواجب.
المسلمون مطالبون بتقديم النصح والإرشاد لبعضهم البعض، وتحذيرهم من الانحراف. قال
الله تعالى:
"وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" (العصر: 3).
3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو
ركيزة أساسية في المجتمع الإسلامي. يجب أن يتمسك المسلم بهذه الفريضة بدون خوف من
لومة لائم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّرْه
بيدِه، فإن لم يستطعْ فبلسانِه، فإن لم يستطعْ فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمانِ"
(رواه مسلم).
إن الانتكاس الروحي هو تحدٍ خطير يواجه
المسلمين، والتغلب عليه يتطلب وعيًا ذاتيًا مستمرًا وتحليًا بالصدق مع النفس.
التبرير والتسويف هما عدوين لدودين يجب الحذر منهما، ويجب على المسلم أن يسعى
دائمًا لتحصين نفسه بالصحبة الصالحة والتواصي بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر. إذا تلاشت هذه الأحزمة الأمان، فإن نسبة المنتكسين في صفوف المسلمين
ستزيد، مما يجعلهم عرضة للضلال والانحراف. والله المستعان.